تذكرني دائمًا

   أسيرُ للمرة الخامسة على التوالي في نفس الشارع؛ أبحث عن المطار، لكنني فقط سيء في الاتجاهات، توقفتُ في مكاني وسألتُ صاحب أحد المحلات عن الطريق وساعدني لأشكره وأذهب، وكل ما أفكر فيه هو رد فعل أمي الدرامي عند رؤيتي.

   اتجهت لمكتب الاستقبال؛ أسأل عن موعد هبوط الطائرة، لكن بدلًا من هذا، أسكتني صوت فتاة في مثل سني – العشرينيات من عمرها – تسأل بصوتٍ غاضبٍ مرتفع:

-       أسألك عن الطائرة 213 لِمَ لا تجيبين؟!

   إنها نفس طائرة أمي، هذا مقلق.

" فقدنا الاتصال بالطائرة 213 القادمة من سِدني، أُكرر..."

25/7

عامر محمود عزت

 

***

 

   ذهبتُ لمكتب مدير المطار العام، خالي (سامح عبد الرحيم)، دققتُ الباب مرتين ثم فتحته مقتحمة المكتب، والجالس خلف مكتبه ابتسم ما إن رآني وسألني عن حالي، لكنني أجبتُ سؤاله بسؤالي عن الطائرة 213، فتردد ثم اعتذر، كأنه هو من فقد الاتصال، لكني فقدتُ والدي مع جملته، صمتُ مقررة الخروج، إلا أنه أوقفني قائلًا:

-       عودي لمنزلي، لا أريدك أن تبقي وحيدة في منزلك.

أجبته ساخرة:

-       تعرف أنك لن تشعرَ بالوحدة إن تزوجت؟

ثم ذهبتُ لمنزل خالي مباشرة، لنكون أكثر دقة، إنها فيلا، دخلتُ غرفتي المخصصة لي وألقيتُ بجسدي على السرير معانقة الوسادة لأبدأ بالبكاء

26/7

فاطمة حسين فتحي

 

***

   أقف أمام مستشفى مطار سدني ، وصل قلقي لذروته ، استطعت أخذ تذكرة لسدني بعد أن أتانا خبر أن أمي نجت من حادث الطائرة، لكن في المقابل أصيبت بنوبة قلبية أُخذت على إثرها للمستشفى لعمل عملية القلب، أمي مريضة قلب لذا هذه العملية لم تكن مفاجأة.

    طرقتُ باب غرفة أمي في المستشفى مرتين قبل أن أدخل، إنها نائمة بسلام، وقد تأكدتُ من نجاح العملية قبل أن أدخل إليها، ابتسمتُ مع رؤيتي لوجهها الهادئ وهي نائمة، لَم أرد إزعاجها لذا قررتُ الخروج، لكن صوت همهمتها أوقفتني لأعود إليها بجَم تركيزي، وهي فتحتْ عينيها، ليذوب كل قلقي مع نظراتها لي، أردتُ معانقتها بشدة، لكنني فقط طبعتُ قبلة على رأسها قبل أن أخرج وأنادي الطبيب، والسعادة تعتريني.

29/7

عامر محمود عزت

 

***

   أحبسُ نفسي في غرفتي في فيلا خالي والغضب يسيطر عليّ؛ بعد كل هذا القلق على والدي، هو فقط فوّت موعد الطائرة لسبب لَم أهتم به، ولم يتصل بي أو يخبرني او يطمئنني حتى بعد انتشار خبر حادث نفس الطائرة.

   ها أنا ذا أرفض الخروج من غرفتي منذ عودة أبي، بعد أن تأكدتُ أنه بخير جسديًا، لا أسمع من خارج الغرفة سوى صوت رئيس الخدم (رضا) الذي يمر بين فترات زمنية متساوية يحاول بيأس إقناع أبي بالذهاب لغرفته، يبدو أنه قرر الجلوس على الأرض بجوار باب غرفتي كعادته منتظرًا خروجي.

   ها هو ذا صوت (رضا) المشفق مجددًا، لا أصدق أنني أضعُف في كل مرة! قمت من مكاني وفتحت الباب؛ مقررة العفو عن أبي وإسكات (رضا)، لكن مهلًا؛ لِمَ لا أرى (رضا)؟ من أين كان يصدر صوته الآن إذن؟

نظرتُ لأبي الناظر لي بقلق بينما يحاول إخفاء شيء ما بيده، لأسحب ذراعه أسأله عما يخيفيه، إنه مسجل صوتي، وعندما فتحته صُدرَ منه صوت (رضا) المشفق، وجملته اليائسة في محاولة اقناع أبي بالذهاب لغرفته!

   قطبتُ حاجبابي بغضب، وألقيتُ بالمسجل في يد أبي مجددًا، وأعود أدراجي لغرفتي، لكنني لم أغلق الباب خلفي وسمحت لأبي باتباعي، أنا فقط شعرتُ بالسعادة في محاولاته لمصالحتي، لا داعي للقلق أمي، أنني بخير مع أبي، يمكنك الارتياح الآن.

31/7

فاطمة حسين فتحي.

النهاية.



تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

فرط التفكير

الكويكب الذي غير تاريخ الأرض