أوهام

فتحتْ عينيها بإرهاق، جسدها يؤلمها؛ ملَّ مِن كثرة النوم، قامتْ وأنزلتْ قدميها عن السرير إلى الأرض لتجلس.

حاولت تذكر متى نامتْ لكنها فشلتْ، في المقابل عقدتْ حاجبيها بتساؤل عندما لاحظت أنَّ لون الأرض تحت قدميها الحافية ليس لونَ أرض غرفتها، ربما يجب عليها غسل وجهها، أم أنها ليست غرفتها؟ رفعتْ رأسها تتثأب متجاهلة فكرة لون الأرض، فتحتْ عينيها لتعود عُقدة حاجبيها؛ متى كان سقف الغرفة واسعًا هكذا؟!.. أخفضتْ رأسها ونظرتْ أمامها لكنها لا ترى أي شيءٍ مألوف.

وقفتْ ونظرتْ خلفها إنها غرفة كبيرة جدًا لونها قاتمٌ جدًا، لا تذكر ما حدثَ ليلة أمس، هل ذهبتْ إلى منزل إحدى صديقاتها ونامتْ؟ أم عادتْ لمنزلها؟ لكن هذا ليس منزلها! لاحظت أخيرًا الباب المغلق، فأسرعتْ له، أمسكتْ بالمقبض وحاولتْ فتح الباب أو إزاحته لكن لا فائدة، دقتْ الباب بقبضتها والتي كانت برأيها دقات ضعيفة، حاولتْ قول أي شيء، لكن ما إن حاولت رفع صوتها حتى بدأتْ بالسعال بقوة، سعلت حتى بدأ حلقها يؤلمها، لكنها في النهاية أخذت نفسًا عميقًا تنادي بأقوى صوت لها بينما تدق الباب بأقوى ما لديها، تتمنى لو يسمعها أحدٌ بالخارج، لكنها لوهلة سمعتْ صدى صوت تلك الدقة! جثتْ على ركبتيها تضع رأسها على باب الغرفة تلهث، هل تم اختطافها؟ هل كانت عائدة من العمل متأخرة واختطفت؟هل تعمل اصلا؟! ازدات تلك الغصة فجأة في حلقها لتبدأ بالسعال مجددًا تشعر بألم في صدرها مِن السعال.

رفعتْ رأسها بعد نوبة السعال تلك تبحث في الغرفة عن أي شيء غير الباب والسرير الواسع الذي كانت نائمةً عليه، وقعتْ عينها على خزانةٍ ضخمة لونها كلون الحائط الذي تقف عنده، اقتربت منها، مُثبتٌ على الخزانة مرآة بحجمها، نظرت إلى انعكاسها في المرآة، يالإرهاقها رغم كثرة النوم الذي نامته، عقدت حاجبيها تنظر إلى نفسها لكنها ابتسمت باستسلام؛ لا تذكر اسمها!

فتحتْ عينها مع صوت ارتطام، هي غفتْ بعد أن استلقتْ مرة أخرى على الفراش تحاول التفكير في شيء لتذكره، نظرتْ إلى الباب لترى فتاتان إحداهن أصغر من الأخرى بينما تقوم من مكانها، نظرت إليها أكبرهن تسأل عن حالها، فنظرت إليهما بتساؤل قائلة بصوتٍ أجش:
- أكان الباب مُقفلًا؟

- الأكبر باعتذار: نعم، أحكمنا إقفاله لأننا خِفنا عليكِ.

- الجالسة على السرير: خِفتم؟

- الأكبر: كي لا تهربي ظانةً انك اختطفتِ.

- مَن على السرير: لكنني دققتُ بقوةٍ على الباب وناديتُ بصوتٍ عالي ولَم يرُد عليّ أحد.

- : لا لم يحدث، لأنني كنتُ في الطابق السُفلي وكنتُ سآتي إن سمعتُك.

- : أهذه شقة؟

هزت كتفيها بعدم معرفتها لتسأل الأخرى مجددًا:
- وأنا لستُ مُختطفة؟

هزت كتفيها مرة أخرى لتسأل:
- : أين نحن؟

هزت كتفيها للمرة الثالثة لتسأل الأخرى بتعب:
- : ما الذي تعرفينه؟!

صمتت تناظر الأخرى التي تراقبهم لفترة بحيرة، أخذت مَن بجانبها نفسًا عميقًا وقالت:
- نحن مثلك، أعتقد، استيقظتُ هنا لا أعرف كيف أتيت، ولا نستطيع أن نخرج من هذا المبنى، إن كان مبنىً مِن أساسه، وهذا ما حدث مع رؤى كذلك.

أومأت المدعوة رؤى بصمت تلك الصامتة التي لم تتدخل في حديثهم، بينما نظرتْ لها الأخرى بتساؤل زاد على وجهها، بدلتْ مَن بجوار رؤى الحديث قائلة:
- أنا شدا، ما اسمك؟

نفتْ برأسها هامسة:
- لا أعرف.

عقدتْ شدا حاجبيها بذهول وقالتْ:
- فقدان ذاكرة؟

أكملت:
- نستطيع التصرف بحرية في حدود هذين الطابقين، رؤى لا تتكلم لأسباب خاصة بها، إن أرادت منك أي شيء إما ستسحبكِ أو تكتب على ورق.

ساد الصمت فجأة لتقول شدا:
- أنذهب للبحث عن ما قد يساعدك في الطابق السُفلي؟

فوافقتْ الأخرى.

ذهبا إلى الطابق السفلي، وقررت رؤى البقاء في الغرفة في الطابق الثاني الذي لا يحتوي إلا على تلك الغرفة وحمام، أما بالنسبة للطابق السفلي فقد كان يملأه المكاتب، كأنه مخزن للمكاتب، توقفتْ شدا عند أحد المكاتب قائلة:
- عثرنا في أحد الأدرج هنا الورق الذي تتواصل به رؤى معنا.

ثم نظرت إلى احد المكاتب الأخرى وقالت شيئًا لم تسمعه الأخرى، بدأت تبحث بناظريها عن أي شيء يساعد، وها هي الآن تقف أمام مكتب ثالث، بدأت بفتح أدراجه، ظهر أمامها عدد من الأوراق ويعلوهم ورقةٌ كُتب عليها بالخط العريض: ' ميرنا مهدي'، نطقت شدا الاسم لتنظر إليها الأخرى بتعجب فأكملتْ شدا:
- ربما اسمك ميرنا، أشعرُ أنه كذلك، بالتأكيد أحد هذه المكاتب يحتوي على شيء يخصك كما لي ولرؤى.

فكرت الأخرى قليلًا وقالت:
- لِم لا نفتح واحدَا آخر؟

أومأت شدا لتفتح آخر وعثرتْ على أوراق أخرى وأولها كما سابقتها ورقة كُتب عليها هذه المرة: ' رُبى ناصر'، قالتها لينظر كل منهما لبعض بتعجب، قالتْ شدا :
- لنأخذهم كلهم ونسأل رؤى.

وصلوا إلى الغرفة ليفاجؤا برؤى تُمسك رأسها بقوة وتعبيرات الخوف جليّةٌ على وجهها، تريد أن تصرخ لكن صوتها لا يخرج منها، تتنفس بقوة، تلهث بقوة! اقتربتْ منها شدا بعد أن ملأت أحد الأكواب بالماء وأعطته لرؤى، ورؤى شربته بارتجاف، قالتْ شدا:
- بخيرٍ الآن؟

أومأت لها رؤى.

' أليستْ رُبى ناصر تلك الممثلة اللي توفت منذ فترة في حادث سير؟' هذا ما كُتب على الورقة التي وضِعَتْ أمامهن، رؤى صاحبة هذا السؤال بعد أنْ فهمتْ مِن شدا أمرَ الأوراق التي عثرن عليها في الطابق السفلي. شدا بعد تفكير:
- وجود أورق رُبى هنا يعني أنكِ انتِ ميرنا.

فكرت بعمق لكنها بدأت بالسعال بقوة أرهقها ومنعها تمامًا من الرد على شدا التي قلقتْ، قالتْ أخيرًا بعدَ أنْ هدأتْ:
- يبدو أن اسمي ميرنا.

- شدا: نعم، وأعتقد أن هذه الأوراق تخص حياتك، اقرأيها.

بعد فترة ميرنا قالت بتفكير:
- كيف عثرتم عليّ؟

كانت شاردة بشدة كأنها لا تعي ما قالته توًا، رفعت رأسها إلى شدا وعينيها مُثبتة عليها، تعجبت شدا من ملامحها لكنها قالت بتوتر غريب طغى على ملامحها:
- نزلنا للطابق السُفلي كما نفعل دائما لكننا عثرنا عليكِ فاقدةً للوعي فحملناكِ لهُنا.

- ميرنا: وأقفلتِ الباب جيدًا قبل أن أستيقظ؟

- شدا: لا، لِمَ قد أفعل؟

- ميرنا: سألتُكِ حينها وقلتِ انكِ لَم تريدي أن أهرب.

- شدا: سأدعكِ تهربين إن استطعتِ! ولا، لَم تفعلي.

- ميرنا: ما مشكلتك مع الهروب؟ لِم لا تكونين انتِ مَن اختطفني وتمنعيني من الخروج؟

- شدا: لن تصدقي ما لَم تري بعينك!

أمسكت شدا بذراع ميرنا وجذبتها خارج الغرفة إلى الطابق السفلي قائلة بغضب:
- ابحثي عن الباب! لستُ أعرف وصلتِ، فتتهميني بالخطف؟!

فتشتْ ميرنا المكان بعينها، وذهبتْ إلى جميع الأماكن التي شكتْ بها لكن لا فائدة، كأنه مبنى بلا باب دخول وخروج، عادت بإحراج لشدا التي ناظرتها بغضب وصعدن معًا إلى الغرفة حيث رؤى.

ألقتْ ميرنا بالأوراق بغضب واستلقتْ على الفراش بإرهاق تفكر، تشتتْ عندما شعرت بنغزة بسيطة من رؤى لتنظر لها، أحضرتْ رؤى ورقة وكتبتْ بها:
- ' توصلتِ لأي شيء؟ '

نفتْ ميرنا قائلة:
- هذه الأوراق تقول أن ميرنا خريجة معهد السينما وليس رُبى كما قلتِ.

- كتبت: ' إذن ميرنا كذلك مُمثلة وانا لا أعرفها '.

- : وأن رُبى خريجة كلية الفنون الجميلة.

- :' أتم تبديل الأوراق؟ '

- : لا أعتقد.

تحركتْ وتأكدتْ أن كل من مجموعتي الأوراق مُجمعة في ملفين منفصلين.

نظرتْ حولها في الغرفة وسألتْ:
- أين شدا؟

هزتْ رؤى كتفيها بعدم معرفة لتتحرك ميرنا لخارج الغرفة، نظرتْ إلى باب الحمام المغلق، اقتربتْ منه بقلق مُقررة فتحه، لكنه فُتح قبل أن تُمسك هي بمقبض الباب، وكانت شدا التي سألتها عن سبب وجودها، جاعلة ميرنا تشعر بالذنب للحظة قائلة بتلقائية أنها ستستخدم الحمام، متحججة أنها لم تشعر بشدا تخرج من الغرفة.

دخلتْ ميرنا الحمام وأمسكتْ برأسها بقوة؛ هي شكتْ بشدا مجددًا لأنها لم تشعر بها تخرج؟!.. تقدمت من الحوض وغسلت وجهها ثم نظرت إلى المرآة، حدقت بصورتها، لكن منعها من التفكير صوت طرقات على الباب ففتحته، إنها رؤى مُمسكة بورقة كتبت بها:
- ' شدا نامت، تعالي معي '

وضح التساؤل على وجه ميرنا لترفع رؤى الورقة الأولى، وكان مكتوب على أخرى خلفها:
- ' يجب أن اتأكد أن لا مخرج هنا '

ازدرقتْ ميرنا ما بداخل حلقها مِن جفاف بقلق بينما تومئ موافقة وذهبت مع رؤى إلى الأسفل، وقفتْ عند أحد المكاتب بينما تركتْ رؤى تبحث أينما تشاء، ورؤى تحوم حولها ذهابًا وإيابًا.

تسمع صوت تنفسٍ عالي كأن أحدهم يهمس، أو ربما لديه مشاكل في التنفس؟ كما أن هذا الصوت يرتفع عندما تقترب منها رؤى وينخفض كلما ابتعدتْ عنها، ماذا قد يعني هذا؟ رفعتْ ميرنا رأسها بحثًا عن رؤى، وفي اللحظة التي نطقتْ فيها اسمها قاطعها صوت شدا مِنَ الخلفِ قائلة:
- ماذا تفعلون هنا؟

نظرتْ ميرنا إلى شدا بقلق ثم حوّلتْ أنظارها إلى رؤى التي تجلس على الارض ضامة قدميها، اقتربا منها ليروها هادئة بشكل غريب، صُدمتْ ميرنا مِن مظهرها المرتعب بينما ساعدتها شدا على الوقوف قائلة:
- رؤى تخاف بسرعة لذا عليكِ الحذر إن كنتم وحدكم.

أومأتْ ميرنا بتردد ولم تنطق، ساعدتْ شدا على حمل رؤى وصعن ونمن.

وضعتْ ميرنا رأسها على السرير، هذا مُريب، شدا كأنها في منزلها وليستْ مُختطَفة، ورؤى هادئة رغم شكها في شدا، هل هكذا تكون حياة المُختطَفين، أم أنْ الأمر عادي بالنسبة إليهم؟ غلبها النعاس ونامتْ، لكنه لم يدُم طويلا حتى شعرتْ بتحركٍ غريب أيقظها، فتحتْ عينها ورفعتْ جسدها بهدوء لترى أحدهم يقف بالقرب مِن السرير، المكان مظلم بما فيه الكفاية لمنعها من معرفة إذا كان شدا أم رؤى، أخفض هذا الجسد نفسه إلى أسفل السرير، إرتفع لتلقي ميرنا بنفسها على السرير بينما تراقبه بقلق، رفع أحد ذراعيه، شعرتْ ميرنا لوهلة أنها سمعتْ صوتَ رشٍ خفيف، فُتح باب الغرفة وأُغلق بخفة، حاولتْ ميرنا القيام مِن مكانها لكنها شعرتْ بنعاس أقوى، يؤكد لها أن ما تم رشه كان منوم.

فتحت ميرنا عينيها بفزع ورفعت جسدها بسرعة تنظر حولها، رأت رؤى وشدا ينظرن لها بخوف، سألت شدا بقلق:
- كابوس؟

أومأتْ ميرنا فقامتْ شدا وأحضرت لها كوب ماء، ناولتها إياه ثم عادت تجلس مع رؤى بصمت، مجددًا، بدأتْ تشعر أن شدا ورؤى يخفون أمرًا ما؛ هن لا يتحدثن بشأن أي شيء، ولا تشعر أن أمر الاختطاف ذاك حقيقيا، شتتها صوت شدا قائلة بارتباك:
- أنا ورؤى سنكون في الأسفل.

أومأت لها ميرنا وذهبا.

ما إن أغلقتْ شدا باب الغرفة حتى قفزتْ ميرنا مِن مكانها وبدأتْ تبحث عن ما يساعدها في فهم ما يجري، أي مكان يمكن إخفاء أي شيء ولو أوراق، هي متأكدة أن شدا ورؤى بحثوا قبلها لمرات، لكنها قلقة.

مدتْ يدها تحت الفراش ذو التصميم القديم وارتطم أحد أصابع يدها بشيء بارز من الأرض لذا امسكتْ به وسحبته إليها.. ملمسه كمقبض الباب لكنه صغير جدًا، قامتْ ووقفتْ؛ تريد إزاحة هذا الفراش الضخم حتى يتسنى لها فهم ما هذا الشيء، وقد نجحت! استطاعتْ إزاحة الفراش رغم حجمه!

وهذا الشيء الذي أمسكتْ به قبل قليل، إنه كدُرج محفور في الأرض، رفعته أكثر لتكتشف وجود عدة اوراق ومُسجل صوت صغير، أمسكتْ المسجل وسمعتْ ما به من تسجيلات وتتصفح الأوراق، لم يمر الكثير مِن الوقت حتى توقفتْ فجأة عن القراءة وتُنصت جيدًا إلى التسجيل، ثم اوقفته تنظر في الفراغ.

في مكان آخر، تحديدًا في الطابق السُفلي مِن نفس المبنى حيث رؤى وشدا، أزاحوا كل المكاتب إلى نقطة واحدة، بالقرب من الدرج المُؤدي إلى الطابق الثاني، ليتسنى لهم البحث عن باب الخروج، أخذتْ شدا تهدئ نفسها ثم أمسكتْ بيد رؤى لتطمئنها، ثم انقسمن.

تجلس رؤى على الأرض، لا تعرف ماذا تفعل، تريد البحث عن وسيلة للخروج حتى لو كان عن طريق باب من الأرض! لكن لا فائدة، اعتدلتْ جالسة على ركبتيها تأخذ أنفاسها ببطئ؛ شعرتْ بالاختناق، تحاول تهدئة نفسها لكنها تسمع صوت خطواتٍ تعلو كأنها تقترب منها، حاولتْ التركيز مع هذا الصوت ربما هي لميرنا، لكنها بطيئة، ليستْ خطوات شخص يشك فيها أو في شدا، توقفتْ، خلفها تمامًا! لكن رؤى لا تقوى على الالتفات، هذا الشخص توقف خلفها ورفع ذراعيه يمسك بشيء طويل أشبه بالعصى كأنه يريد ضربها، لكنها رفعتْ رأسها واستدارتْ تنظر خلفها، لا أحد يقف هنا، بل لم تعد ترى شدا التي كانتْ تسمع صوتَ تندنتها قبل فترة.

في تلك الأثناء حيث شدا، وبينما كانت تبحث، ابتسمتْ بحزن قائلة:
- كان يجب أن أفعل هذا.

صمتت ثم أردفت:
- معكِ حق لكن ماذا يجب أن أفعل؟!

صمتت للحظة كأنها تسمع أحدهم يتكلم ثم قالتْ:
- أنا ضعيفة وأهرب لخيالي، وها أنا أتمنى أن أراكِ.

توقفتْ عند تلك الكلمة لتعقد حاجبيها بتساؤل مِن نفسها ثم رفعتْ رأسها تنظر حولها كأنها تبحث عن شخص ما، لكن لا فائدة، عادتْ ابتسامة الحزن لوجهها وتمتتْ:
- افتقدتك أمي.

ذهبتْ ميرنا للطابق السُفلي، ما إن وصلتْ ذُهلتْ بمجموعة المكاتب التي كانت موزعة في أرجاء المكان مُكومةٌ الآن عند الدَرَج، رمقتهم بتساؤل كأنها تنتظر منهم درًا، لكنها تنهدتْ وأكملتْ طريقها وعلاماتْ البرود اكتسحتْ وجهها.

وصلتْ لرؤى التي تجلس على الأرض تعانق قدميها وتنظر إلى الفراغ بصمت مرتعب لا ترى مَن أمامها، جثتْ أمامها ميرنا بابتسامة باردة بينما رؤى فقط رفعتْ رأسها وتعابير وجهها مازالتْ كما هي، رفعتْ ميرنا يدها بحنقة وغرستْ أبرتها في عنق تلك المرتعبة لتقع بين ذراعيّ ميرنا، حملتْ ميرنا رؤى وصعدتْ بها إلى الغرفة وعادتْ بحثًا عن شدا.

ابتسمتْ ميرنا بسخرية ما إن لاحظتْ شدا التي كانتْ تحدق في الحائط، قالتْ ميرنا بسخرية:
- أنا متأكدةٌ أنهم قالوا أنهم مرضى بأمراضٍ مُسماه ليس مجموعة من المجانين!

استدارتْ لها شدا بتعجب وتساؤل، لكن تعابير وجهها قد تغيرت فورًا ما إن رأتْ وجه تلك الواقفة أمامها، قالتْ ميرنا بينما تمد يدها:
- سأتين بهدوء أم بالقوة؟

نظرتْ شدا لميرنا مطولًا ثم تنهدتْ باستسلام وأمسكتْ يد ميرنا لتسحب ميرنا ذراع شدا بقوة وتغرس إبرة حقنة أخرى في عنق تلك التي تقاوم ثم غرقتْ شدا في ثبات عميق وهدأت معها مقاومتها فحملها ميرنا إلى الغرفة.

فتحتْ شدا عينيها بعد نومٍ طال لبعض الوقت، رفعتْ جسدها تنظر حولها، لاحظتْ رؤى النائمة بقربها ويبدو أنها لن تستيقظ حتى ولو حاولتْ ايقاظها، لم تجد فرصة للتفكير بسبب فتح باب الغرفة ودخول ميرنا التي فوجئت بدورها أن شدا استيقظتْ، عادت الابتسامة الساخرة إلى وجه ميرنا قائلة:
- ظننتُ رؤى من ستستيقظ أولًا.

سألتْ شدا:
- لأنها جبانة؟

- : كلتاكما جبانتان، لا فرق.

صمتتْ شدا بخوف ولم تفتح فمها لتقول ميرنا بحزم:
- لقد ظننتِ أن اللعبة انتهت.

لم ترد عليها شدا فأكملتْ ميرنا بغضب واضح:
- أنا! الطبيبة رُبى ناصر! تفعلوا فيّ كل هذا؟!

لم ترد شدا مرة أخرى لتسأل رُبى بنفاذ صبر:
- ماذا فعلتن بالضبط؟

- : أتذكرين عندما طلبتُ منكِ القدوم للأسفل.

قبل أسبوع، قررتْ شدا الذهاب للطابق السفلي، لكنها عادتْ وسحبتْ رُبى قائلة أنها تريدها، تعجبتْ منها رُبى لكنها ذهبت معها، اقتربتْ شدا مِن أحد المكاتب وأخرجتْ منه ملفًا تسأل:
- عثرتُ على هذا الملف الغريب، اسم الشخص المكتوب عليه هو اسم المُمثلة المنتحرة ميرنا مهدي.

ظهر التوتر على وجه رُبى فأختفه سريعًا قائلة:
- طُلِبَ مني دراسة سبب انتحارها.

هزت شدا رأسها بفهم لتعيد الملف حيث كان في دُرج المكتب وأغلقته، استدارت رُبى قائلة:
- هناك أمرٌ أريد منافشتكم به.

لَم تُكمل كلامها بسبب شدا التي ضربتها بعصى خشبية على رأسها من الخلف بقوة مُسببة إغماء رُبى فورًا.

بالعودة إلى الحاضر، شدا:
- وضعتُ ملفًا شبيهًا لملف ميرنا وبدلتُ أوراق الملفات حتى تتأخرين قليلًا في الفهم، لَم أتوقع فقدانك للذاكرة، كل ما فعلناه هو إوهامك بالخطف لتساعدينا لنخرج، رغم شعوري بالفضول بشأن ما أردتِ الحديث عنه.

أرجعتْ رُبى رأسها للخلف قائلة بسخرية:
- حياتكم هذه ليست سوى محض أوهام، هذا ما أردتُ قوله.

لتخفض شدا رأسها مرة أخرى موجهة عينيها إلى رؤى التي لم تستيقظ إلا الآن تنظر إلى رُبى بخوف.


****


رن الهاتف بصوته العالي لترد بغضب - كعادتها- ليأتيها صوت تحبه جدًا:
- أهذه طريقة تردين بها على امك يا شدا؟


عقدتْ حاجبيها بتساؤل، ورفعتْ الهاتف عن أذنها تنظر إلى اسم المتصل، وقد كان ' امي ' لتبتسم براحة، اعتذرت وتحدثن قليلًا، وحددوا ميعادًا لعودة شدا لبيتها في الريف في عطلتها القادمة.


مرّ اسبوع، وأنهتْ شدا ما ارادتْ إنهاءه قبل الموعد المُحدد مع والدتها لتقرر التحرك فورًا والذهاب، ولَم تتصل بوالدتها مُفكرة في جعلها مفاجأة لها، قادتْ السيارة بأقصى سرعة إلى الريف.


لكن سعادتها لم تدُم طويلًا، أوقفت سيارتها عند حشد كبير مجتمعين في وسط الطريق، خرجت من السيارة؛ فهي شعرت بانقباض قلبها بقوة لذا قررتْ سؤالهم عما يجري، ما كادت تفتح فمها حتى قيل بصوت عالي:
- ألستِ انتِ ابنتها شدا؟! أين كنتِ طوال هذه الفترة؟!


شعرتْ بالعتاب ممن تكلم، للتتسع عينيها وتبدأ بالتحرك وسط الناس وإزاحتهم حتى ظهر أمامها جسد السيدة العجوز المرتمية على الأرض، إنها أمها!


فتحتْ شدا عينيها بارتعاب بعد هذا الحلم، إنه يطاردها كل ليلة بسبب الحادث، رفعتْ أنظارها تبحث عن رؤى، لكن استرع انتباها شخص يجلس أمامها، إنها والدتها، ظهر الحزن على وجهها فورًا لتقول:
- افتقدتك بشدة، أمي، أرجوك استفيقي وخذيني من هنا.


ابتسمت السيدة بلطف قائلة:
- أنا بخير.


أوقفها عن التحديق في وجه امها صوت رُبى تنادي عليها باستمرار مزعج لتوقظها، فرفعت رأسها بضيق وتحركت من مكانها لإسكاتها.


وضعتْ رُبى أطباق الطعام على المنضدة الصغيرة، في حين تحاول شدا إيقاظ رؤى، لكن بدلا من استيقاظها، صرخت شدا بارتعاب قائلة:
- رُبى! رؤى ليست بخير!

تحركتْ رُبى لأخذ كوب الماء الذي وضعته على المنضدة وأسرعتْ إلى رؤى؛ تريد رش الماء على وجهها، بينما ذكرى أول لقاء بها بدأت بالعودة إلى رأسها.

****


دُق باب مكتب الطبيبة ' رُبى ناصر ' ثلاثًا لترفع رأسها إلى الباب سامحة له بفتح الباب بيديه والدخول، عكسَ طبيعتها المريبة بالنسبة للبعض كونها تحب دائما فتح الباب أو استقبال الزوار بنفسها، دخل الطارق إلى المكتب في يده ملفٌ كُتِبَ عليه اسم ' رؤى حمدي '. سألت:
- مريضٌ آخر؟

أومأ بصمت، مدتْ يدها ليعطيها الملف، ثم سألت مجددًا:
- ألديك ملخص؟

أومأ ونطق:
- إنها من عائلة ثرية، هاجم بيتها عصابة وقتلوا كل من فيه، لكن الخدم، وكي يحموا الأطفال أخفوهم في أماكن متفرقة، سُرِقَ البيت وأُحرق، أُخمدت النار بنجاح وتم إنقاذها، لكن لا أحد يعلم ما إن كانت هي الناجية الوحيدة أم لا؛ والآن هي هنا في المستشفى لعلاج الصدمات عشان؛ فقدتْ القدرة على النطق.

همهمتْ يتفهم بينما تنظر إلى خانة العُمر والتي كُتِبَ عندها أربعة عشر عامًا.

****


فتحتْ رؤى عينيها تأخذ انفاسًا عميقة منقطعة، تحاول إعادة الهواء الذي مُنع من دخول رئتيها، تنظر لكلٍ من رُبى وشدا باستنجاد، فساعداها على الجلوس والاسترخاء، هي فقط اخفضتْ رأسها وانكمشتْ كالطفل الصغير بصمت، تنهدتْ رُبى وقررتْ تحريك منضدة الطعام بالقرب من السرير ثم أخذتْ أطباق الطعام إلى منضدة أخرى متحركة ووضعتها أمام رؤى وشدا اللتان حدتقا بها بتعجب، جلستْ قربهم وبدأت بتناول الطعام ليبدأوا الأكل، كادتْ تتحدث لكنها بدلا مِن هذا عقدتْ حاجبيها وقامتْ مِن مكانها وذهبت إلى الخارج، عادتْ فجأة قائلة بإبتسامة مُريبة:
- تعالوا معي.


اعترضتْ شدا فورًا لأجل رؤى، إلا أن رؤى هدأتها وقامتْ من مكانها.


وصلوا معًا إلى الطابق السُفلي ليتوقفوا مُذهَلين ما إن رأوا وجود شخص ينتظرهم في الأسفل، ما إن وقفوا أمامها حتى قالت رُبى بطريقة مسرحية:
- أعرِفكم على المريضة الثالثة التي سأعتني بها معكم: المُمثلة المنتحرة ميرنا مهدي!


تُحدق في الارض بشدة متجاهلة تمامًا الواقفين أمامها، وعينها فارغة تمامًا كأنها لا تهتم أين تتواجد، تنهدتْ شدا بيأس:
- كيف تحضرينهم إلى هنا؟


لتقول رُبى بسخرية:
- لقد صدقتي فكرة الخطف وأصحبتِ عمياء تمامًا.


تحركتْ خلف ميرنا قليلًا ثم أكملتْ:
- ها هو الباب المفقود.


مُشيرة إليه قائلة بعد صمتٍ للحظة لرؤية رد فعلهن:
- لا أملك نسخة مفتاحه، البيت كله تحت رعاية المستشفى لأجل العمل.


- شدا: تقصدين بيتك.


- رُبى بابتسامة: يمكنك قول هذا.


انقضتْ عليها شدا تسحبها من ياقتها، وأسرعتْ رؤى للباب وحاولتْ فتحه، لم تُزِل رُبى ابتسامتها بينما تقول:
- الباب مصفح، لن يفتح بسهولة.


رفعتْ رُبى يدها تُمسك بيد شدا تبعدها عنها بهدوء، اقتربتْ من ميرنا بينما تضع يدها على كتف ميرنا قائلة:
- ألن نحترم الضيف الجديد؟


أمسكتْ بيد ميرنا وجذبتها معها متوجهة إلى الطابق العلوي، مُدخلة إياها إلى الغرفة، ولَم يمر الكثير حتى انضم لهن كلًا من شدا ورؤى.


أبعدوا المنضدة واستلقتْ رؤى وشدا على الفراش، ولم تتحرك ميرنا من مكانها، كما أنها لم تتناول معهن الطعام، ورُبى تراقبهم بصمت،
تنهدتْ شدا بيأس وقامتْ من مكانها متجهة إلى ميرنا وجلستْ أمامها على الأرض مقتربة منها قائلة بهدوء:
- لِم الصمت؟ عرفينا بنفسك.


نظرت لها ميرنا ثم إلى رُبى لتقول شدا:
- ساسمعك انتِ.


نطقتْ ميرنا أخيرًا:
- ميرنا مهدي.


- شدا: ممثلة؟


- أومأت.


- شدا: تحبين عملك؟


- أومأت.


- شدا: تريدين العودة له؟


- ميرنا بخوف: لكنني ميتة الآن.


- شدا مصححة: حُجزتِ في المستشفى إلى أن شُفيتي تمامًا.


مع إنهاء شدا لجملتها، رفعتْ يدها ووضعتها على يد ميرنا، التي ما إن لمستها حتى أزاحتها ميرنا عنها بسرعة والارتعاب واضح على وجهها، ذُهلتْ شدا، وقامت رُبى من مكانها محاولة تهدأتها، ثم ساعدتها على التحرك وجعلتها تنام.


لم يمر الكثير حتى قالتْ شدا:
- أأستطيع سؤالك عن ميرنا؟


اعتدلتْ رؤى في جلستها تراقب رُبى بتركيز لترد رُبى أخيرًا:
- كانت تحب عملها في البداية، لكن بمرور الوقت أصبح مُرهِقًا، ظنته اكتئاب فقررت المتابعة مع طبيب نفسي ليساعدها، لكن اتضح أن هذا الطبيب قذر.


- شدا بذهول: عفوًا؟


- رُبى: سمعتُ أنه حاول التقرب منها، بل إنه تحرش بها، إلى أن كرهتْ نفسها أكتر مُصممة على الانتحار، انقذوها بصعوبة، وبالتأكيد ما حدث لَم يُنسى، وها هي.


- شدا: سؤال آخر.


- أومأت رُبى.


- شدا: لِم قصصتِ كل هذا؟ ألستا مرضى مثلها؟


- رُبى: لكنكم شُفيتم! والدليل ما بي قبل قدوم ميرنا!


- شدا: هذا ليس صحيحًا.


- رُبى: بل صحيح! ربما انتِ لستِ متزنة يما فيه الكفاية، وعلى رؤى التدرب على النطق، لكن هذا يعتبر تحسنًا.


نظرن إليها مذهولين وبقلق لتبتسم بسعادة:
- نبدأ دروس النطق امتى يا رؤى؟


نظرت رؤى لشدا السعيدة من كلام رُبى ثم إلى رُبى، فتحت فمها قائلة بصوتٍ مبحوح وبتقطعٍ واضح:
- أنا بخير، كنتُ، أدربُ، نفسي.


لتعانقها شدا بسعادة.


مرت الأيام، كل من شدا ورؤى يفعلن ما بوسعهن لمساعدة ميرنا وإخراجها من خوفها وهدوءها، وقد نجحوا حتى أصبحتْ تتفاعل بشكل إيجابي، تحت مراقبة رُبى لهم.


في أحد الأيام وأثناء تناولهم الغداء قالتْ رُبى:
- بما أن شدا ورؤى تحسنوا تمامًا، وتقدمنا في حالة ميرنا، أبشركم انني افرجتُ عنكم وتستطيعون العودة لمنازلكن، على ميرنا بدء الجلسات والعلاج معي لذلك لن تنقطع عن القدوم.


توقفتْ عن الكلام لتُذهل بكل من شدا ورؤى ينظران إليها، بل يحدقان بها، لتقول بسخرية:
- أكنتُ أعذبكن؟


ابتسمتْ شدا بغضب قائلة:
- عوملنا كالمجرمين، لِم لا تعالجي المجرمين؟ ربما تستمتعي كما استمتعتي معنا طوال هذه فترة.


- رُبى بغضب: ماذا تقصدين؟


- شدا: أكنتِ خفاشًا أو مصاص دماء قبلًا؟ أو عندك رُهاب اجتماعي؟ بما أنك تحبين العمل من بيتك للدرجة التي تجبرك على حبس نفسك في بيتك مع المرضى!


حاولتْ رؤى تهدئة شدا، لكن شدا قد تجاهلتها كما كانت تتجاهلها طوال الوقت الماضي قائلة:
- صدقيني ستعجبك حياة المساجين.


نظرتْ رؤى لميرنا تستنجدها لتُذهل بها تبتسم وعلى مقربة من الضحك، قالت ميرنا:
- لو كنت اعرف ان مشاهدة مشاجراتكن ممتعة هكذا ، لأتيت اتعالج معاكي يا رُبى من البداية.


نظر ثلاثتهن إلى ميرنا بذهول من ردة فعلها مع رضًا ارتسم على وجوهن، قالت شدا:
- يبدو أنني سأعفو عنك فقط من أجل ميرنا.


لتعود الابتسامة الساخرة إلى وجه رُبى قائلة:
- يالطيبة!


أوقف رُبى عن الحديث صوت وصل أذنها من الطابق السفلي للتتحرك بسرعة إلى هناك ناسية أمرهن، وهن تبعنها، وصلتْ أمام الباب المفتوح لترى نور الشمس بعد غياب عنه منذ فترة وقفت في مكانها تحدق في الفراغ، لكن افاقها عن شرودها صوت شدا تنادي عليها لتستدير إليهن قائلة بابتسامة:
- الباب مفتوح، أخرجوا وعودوا لحياتكن، كل معارفكن يعلمون انكن كنتن تتعالجن، وأثق أن خبر خروجكن وصلهم. أتمنى لكُن حياة سعيدة بعيدة عن بؤسٍ مضى من حياتكن، الوداع.


استدارتْ مرة أخرى مواجهة الباب وخرجتْ، أما هن فقد أفقن بعد لحظات من ذهاب رُبى لتبدأ كل واحدة منهن بخطو خطواتها الأولى خارج المنزل، وكل واحدة تفكر أين يجب أن تذهب أو كيف تذهب أو حتى أين هي.


ما إن ابتعدن عن المنزل حتى عادتْ رُبى أمام الباب مرة أخرى، لكن هذه المرة ظهر أمامها فتى، لا بل إنه شاب إلا أنه أصغر من رُبى قليلًا، ابتسمت ما إن رأته قائلة:
- لؤي، تعال لنرتاح.


انهت جملتها بتمسكها بذراعه وأغلقوا الباب خلفهم. قالت:
- والآن كُف عن المزاح وأخبرني أين أثاث المنزل؟


أجاب:
- لَم أكن أمزح، لقد بِعته.


- بعدم تصديق: أرجوك، المزحة ليست ممتعة، أين الأثاث؟


- : قلت أنها ليست مزحة، من أين لي بكل هذه المكاتب؟


- : حسنا، بعد أن اضعت الأثاث، ماذا فعلت بغرفتك الخاصة؟


- : دهنتُ بابها كي لا تروها متظهرش.


- بتفكير: ابحث عنها ريثما أُرتب المطبخ.


تركته تحركت في نفس الطابق، فوجئت به يقف مكانه يسلّم إياها هاتفًا نقالًا لتبتسم قائلة تأخذه:
- لَم ترمه؟


أجاب:
- بالتأكيد، ثم أنظري لكل تلك المكالمات!


نظرتْ حيث أشار لتضحك ساخرة؛ كل تلك المكالمات من نفس الشخص ولم تكد تتكلم حتى بدأ يرن من جديد فأجابت فورًا، أتى لها صوتٌ من الجهة الاخرى قائلًا:
- يبدو أنك أنهيتِ علاجهن، مبارك.


ردت:
- يتبقى فقط الممثلة ستبدأ الجلسات والعلاج وتعيش معنا.


- : الأهم من هذا، أأنتِ متأكدة من أمر اعتزالك؟


- : نعم متأكدة، أعترفٌ بحبي لعملي، لكن اخي اهم من اي شيء، ربما في النهاية يصبح مؤقتًا.ء


- : إذن دعيني أتمنى أن يكون مؤقتًا.


- : لا تتوقع مني العدول عن قراري خلال أيام.


- : أعلم أعلم.


أنهتْ المكالمة لتُشتتْ بصوت ميرنا قائلة:
- استطيع مساعدك؟


ابتسمتْ رُبى قائلة:
- لا أعتقد، ارتاحي إلى أن ننتهي.


- : تنتهون؟ أنتم؟


- : نعم، أخي.


- بفهم: إذن عن إذنك.


ذهبتْ ميرنا إلى الغرفة وتبعتها رُبى، لكن رُبى اتجهتْ لبابٍ ثالث مفتوح ودخلتْ بعد أن دقتْ لمرة، كان لؤي يجلس على فراشه بهدوء لتقترب منه، وقفتْ أمامه وابتسمتْ بهدوء قائلة:
- أهلا بعودتك.


رفع نظراته المُمتلئة رعبًا إليها، لكنه ما إن رأى ابتسامتها حتى انفجر باكيًا لتعانقه فورًا، قائلة:
- انا اسفة، اسفة، لَم أكن أقصد لَم أكن اقصد.


بينما بدأ صوتها يهتز لتكتم هي بكائها.


تركته لينام وقررت الجلوس بجواره في غرفته بينما تمسك هاتفها بيدٍ، وتلاعب شعر رأس لؤي باليد الأخرى، حدقتْ قليلا باسم ' مدير المستشفى' الذي كان يحادثها قبل قليل ثم قامتْ بمسح رقمه عن جهات الاتصال بالكامل، قامتْ من مكانها واتجهتْ للغرفة الأخرى حيث تنام ميرنا، وزّعتْ أنظارها في الغرفة قبل أن تفتح أدراج المكتب الصغير بالقرب من الفراش وابتسمتْ بينما تلتقط بعض الأوراق من الدرج، خرجتْ من الغرفة وجلستْ عند أحد المكاتب في الطابق السفلي لتبدأ بالقرآءة:
' انا الطبيبة النفسية المشهورة رُبى ناصر ، قررتُ كتابة مذكرات كنوع التخفيف عن نفسي بعد وفاة والدتي...
ربما أكون طبيبة ' نفسية' كما يقال لكنني أشعر أنني أريد رؤية أحد ما التحدث معه...
لم أعد أرى لؤي منذ حادث وفاة والدتنا أتمنى أن يكون بخير...
عدتُ بعدَ أولِ مقابلة لأحد الاطباء النفسيين، أنا بخير إنه فقط اكتئابٌ بسيط...
قابلتُ لؤي أخيرًا، قابلته صدفة عندما كنتُ عائدة من العمل، ولم يكن بخير على الإطلاق...
استطعتُ أخيرًا جعل لؤي يتحدث، أُصيب بصدمة...
سأستقيل انا لا أستحق فعل ما أريده تاركة أخي يعاني وحده بهذا الشكل...
اقنعني المدير بعلاج آخر ثلاث حالات ووافقتُ مقابل موافقته على استقالتي...'


تناولتْ قلمًا وبدأتْ تكتب:
' لا يتبقى لي سوى آخر مريض لأعالجه وقد نجحتُ مع الآخرين...'


احضرتْ ورقة نظيفة بالكامل و كتبت بها بخطٍ عريض:
' يمكنكِ فعلها كما نجحتي قبلًا انتِ فقط تتوهمين'


قالت:
- لستُ مصابة بالاكتئاب، هذا ليس حقيقيًا، إنه توهم، انا فقط قلقة على لؤي وعندما يتحسن سأكون بخير.


أخرجت تنهيدة طويلة لعلها تخفف ثِقْل كاهلها لكنها لم تكن كافية أبدًا ولن تفعل.


تمت



تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

فرط التفكير

الكويكب الذي غير تاريخ الأرض

تذكرني دائمًا